تخطى إلى المحتوى

تركستان و الترك في رحلة ابن بطوطة

ديسمبر 2, 2013

يعد ابن بطوطة من أشهر الرحالة المسلمين و العالميين، فقد سافر ابن بطوطة في معظم العالم المعروف في زمنه، غادر الرحالة المغربي بلده فزار مصر و الشام و الحجاز و العراق و فارس و .مدن الخليج العربي و آسيا الصغرى “تركيا” و شبه جزيرة القرم و مملكة السلطان محمد أوزبك و تركستان و الهند و سريلانكا و المالديڤ و بلاد جاوة و الصين و الأندلس و بعض الدول الأفريقية، و قد أجاد ابن بطوطة اللغتين الفارسية و التركية إلى جانب لغته العربية، و قد أورد بعض المحادثات بالتركية بينه و بين بعض من زارهم، و ما يهمنا هنا في رحلته هو حال الترك و تركستان في ذلك الوقت. أما لماذا فصلت فقلت الترك و تركستان، فلأن الترك كانوا منتشرين في داخل تركستان و خارجها كحكام و محكومين، و سأحاول بإذن الله حصر أبرز ما كتب عنهم في هذه التدوينة.

Image
 رحلة ابن بطوطة بين عامي ١٣٣٢-١٣٤٦م. “ويكيبديا”

يذكر ابن بطوطة في رحلته من حلب إلى جبلة عدة أسماء تركية، حيث مر على “حصن الشغور” و أميره “سيف الدين ألطنطاش” و اسمه الأخير تركي معناه “الحجر الذهبي”، ثم يأتي ذكر الأمير “قراسنقور” ثم الدمرطاش ابن السلطان أبو سعيد حاكم العراق. و في مدينة جبلة بسوريا اليوم يمر ابن بطوطة بقبر الولي الصالح البخاري “إبراهيم ابن أدهم” .

أما في العراق فيذكر ابن بطوطة أنه التقى بالشيخ أحمد “كوجك” حفيد ولي الله أبي العباس الرفاعي، و لفظة “كوجك” تعني الصغير، و يبدو ذلك لأن أبا العباس الرفاعي اسمه أحمد، و حفيده اسمه أحمد، فتسمى بأحمد كوجك، أي أحمد الصغير. و بعد العراق مر ابن بطوطة على فارس و في مدينة “إيذج” دخل على ملكها السلطان “أتابك أفراسياب بن السلطان أتابك أحمد” و كما يذكر فإن أتابك هو لقب لمن تولى شؤون تلك البلاد، و بلا شك فهي لفظة تركية تجمع بين “أتا” أي الأب، و “بيك” أي السيد. و يصف ابن بطوطة بطيخ أصفهان من بلاد فارس بأنه عجيب الشأن و لا مثيل له في الدنيا إلا ما كان من بطيخ بخارى و خوارزم.

أما في شيراز فقد كان سلطانها وقت مرور ابن بطوطة عليها تركياً هو أبو إسحاق بن محمد شاه ينجو، و ذكر أن له جيشاً ينيف على خمسين ألفاً من الترك و الأعاجم. و والد أبي إسحاق هو محمد شاه ينجو و قد كان والياً على شيراز من قبل ملك العراق، و والدته اسمها طاش خاتون. و قد مر ابن بطوطة بعد ذلك في طريقه على بغداد و كان ملكها هو السلطان الجليل أبو سعيد بهادر خان بن السلطان الجليل محمد خدابنده و هو الذي أسلم من ملوك التتر حسب ابن بطوطة. و محمد خدابنده هو سلطان تتري ولد مسيحياً أسمته أمه نيقولا ثم اعتنق البوذية و من بعدها الإسلام على المذهب السني ثم اعتنق المذهب الشيعي بتأثير من الحلي. أما ابنه أبو سعيد فقد لقب بـ”بهادر” و أصله في المنغولية “بغاتر” أي “البطل”. يقول عنه ابن بطوطة “و كان ملكاً فاضلاً كريماً، ملك و هو صغير، و رأيته ببغداد و هو شامل، أجمل خلق الله صورة، لا نبات بعارضيه.” و قد تزوج أبو سعيد بزوجة ابن عمته الشيخ حسن بعد أن طلقها و اسمها بغداد خاتون، و في ذلك يقول “و النساء لدى الأتراك و التتر لهن حظ عظيم، و هم إذا كتبوا أمراً يقولون فيه: “عن أمر االسلطان و الخواتين”، و لكل خاتون الكثير من البلاد و الولايات  المجابي العظيمة، و إذا سافرت مع السلطان تكون في محلة على حدة”. و بعد موت السلطان أبي سعيد تغلب على ملكه كثيرون منهم الشيخ حسن ابن عمته و حسن خواجة بن الدمرطاش بن الجوبان، و الأمير طغيتمور، و قطب الدين يمتهن، و أفراسياب أتابك، و يظهر من أساميهم جميعاً أنهم ترك، فقد حكموا بلاداً منها هرمز و كيش و القطيف و البحرين.

ينتقل بعد ذلك ابن بطوطة إلى آسيا الصغرى أو ما تسمى بتركيا اليوم، و يقول في مدينة العلاية في أول رحلته هناك “و قد جمع الله ما تفرق من المحاسن في البلاد، فأهله أجمل الناس صوراً و أنظفهم ملابس و أطيبهم مطاعم و أكثر خلق الله شفقة، و لذا يقال البركة في الشام و الشفقة في الروم”، و يقصد بالروم أهل تركيا لأن أهلها من قبل كانوا الروم و اليونان. و يكمل ابن بطوطة بقوله “و كنا متى نزلنا بهذه البلاد زاوية أو داراً يتفقد أحوالنا جيراننا من الرجال و النساء، و هن لا يحتجبن. فإذا سافرنا عنهم ودعونا كأنهم أقاربنا و أهلنا، ترى النساء باكيات لفراقنا متأسفات”.  أما عن دينهم و مذهبهم فيقول “و جميع أهل هذه البلاد على مذهب الإمامأبي حنيفة رضي الله عنه، مقيمين على السنة لا قدري فيهم و لا رافض و لا معتزلي و لا خارجي و لا مبتدع، و تلك فضيلة خصهم الله تعالى بها، إلا أنهم يأكلون الحشيش و لا يعيبون ذلك.”

و من ما ذكر ابن بطوطة من محاسن أهل آسيا الصغرى التنظيم المعروف بالأخية، من لفظ أخ، حيث توجد جماعة في كل بلدة أو قرية من الأخية تقوم على إكرام الضيف و قضاء حوائجه، حيث أن لهم زوايا معروفة ينزلون فيها الضيف و يقومون على شؤونه، بل و يجالسونه و يؤنسونه  و ينفقون عليه من مالهم الخاص و لو كان الواحد فيهم رقيق الحال، و يقول فيهم “و هم بجميع البلاد التركمانية الرومية في كل بلد و مدينة و قرية، و لا يوجد في الدنيا مثلهم أشد احتمالاً بالغرباء من الناس و أسرع إلى إطعام الطعام و قضاء الحوائج و الأخذ على أيدي الظلمة و قتل الشرط و من ألحق بهم من أهل الشر”. و هؤلاء الأخية يرون إكرام الضيف واجباً عليهم يأخذونه و لو على رقابهم، كما حصل لابن بطوطة في مدينة لاذق حيث تقابلت مجموعتان أخذوا بأعنة خيل ابن بطوطة و أصحابه و أرادت كل مجموعة الانفراد بالضيافة حتى سل بعضهم السكاكين على بعض، و لم يكن ابن بطوطة يفهم التركية بعد، فحسبهم من قطاع الطرق حتى يسر الله له من يترجم له فعرق أنهم فريقان من الأخية، كل يريد أن تكون له شرف الضيافة، فوقع بينهم الصلح على القرعة.

و من أخبار ابن بطوطة في آسيا الصغرى ملاقاته في مدينة سيواس لفرقة من الأخية أسماهم “أصحاب الفتى بجقجي”، و كما يقول ابن بطوطة “بجق بالتركية السكين، و هذا منسوب إليه”. أما في مدينة بركي فقد التقى بقاضيها و اسمه “عز الدين فرشتي”، و قد لقب بفرشتي “أي الملك” لدينه و عفافه و فضله، و لهذه التسمية مثيل بين التركستانيين فيذكر الشيخ منصور البخاري في كتابه “علماء ما وراء النهر المهاجرين للحرمين” في ترجمته للشيخ أمين الله بن حبيب الله البخاري المدني ما نصه “كانت له رحمه الله صفات حسنة كثيرة من كمال الأخلاق و خسن الخصال و لهذا لقبه البخاريون بفرشته مخدوم لطهارة نفسه و جميل أخلاقه و فعاله”. و يذكر ابن بطوطة وصوله إلى مدينة “برغمة” و سلطانها “يخشي خان” و يشرح ذلك بقوله ” و خان عندهم هو السلطان، و يخشي معناه جيد”.

و قد زار ابن بطوطة في رحلته مدينة برصى أو “بورصة” في عهد السلطان أورخان، و هو أحد أجداد بني عثمان. يقول عنها ابن بطوطة “مدينة كبيرة عظيمة، حسنة الأسواق فسيحة الشوارع، تحفها البساتين من جميع جهاتها و العيون الجارية، و بخارجها نهر شديد الحرارة يصب في بركة عظيمة.”، أما عن سلطانها فيقول “و سلطان برصى هو اختيار الدين أرخان بك بن السلطان عثمان جوق، و جوق تفسيره بالتركية الصغير، و هذا السلطان أكبر ملوك التركمان و أكثرهم مالاً و بلاداً و عسكر”، و للتذكير فإن ابن بطوطة جال في بلاد الروم “أو ما يعرف اليوم بتركيا” في عصر الدويلات التركمانية كما هو واضح من السياق، و في الأسفل خريطة توضح ذلك.

الدويلات التركمانية في الأناضول. "ويكيبيديا"
الدويلات التركمانية في الأناضول. “ويكيبيديا”

و من القصص التي يوردها ابن بطوطة في رحلته زيارته لمدينة “مطرني”، و إرساله خادميه إلى السوق ليشتريا له السمن و التبن، فأتى الذي أرسله لشراء السمن بالتبن، و قال أن التبن يقال له “سمن” بالتركية و السمن عندهم يقال له”رغان”، و بالرجوع إلى المعجم “الإنگليزي-الأوزبكي” لم أجد ما يؤيد أن “سمن” معناه التبن، غير أن هنالك كلمة تكتب “saman”، و هي ذات أصل فارسي، و هي اسم لواحدة من سلالات الخيل، فربما فهم البائع أن المشتري كان يريد طعاماً لخيله فباعه التبن، و اختلط المعنى على ابن بطوطة،  و لا أعرف مدى صحة هذا الكلام، و ليصححني الإخوة في التعليقات إن كان ما قاله ابن بطوطة صحيحاً.

يتبع إن شاء الله مع دخول ابن بطوطة لمملكة السلطان محمد أوزبك و رحلته في تركستان.

2 تعليقان leave one →
  1. Ahmet Kockaroglu permalink
    نوفمبر 23, 2015 3:13 صباحًا

    saman , saban كلا الكلمتين تعني الشعير أو التبن , وهناك مهرجان معروف لدى الشعوب التركية ببداية الربيع يدعى “صبان توي” أي عرس الشعير

  2. مأمون permalink
    جويلية 6, 2019 11:29 مساءً

    أنصح بتحقيق عبدالهادي التازي رحمه الله لرحلة ابن بطوطة الافضل فيما رأيت

أضف تعليق